فصل: دولة تميم بن المعز.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.دولة تميم بن المعز.

ولما هلك المعز قام بأمره ابنه تميم وغلبه العرب على أفريقية فلم يكن له ما ضمه السور خلا أنه كان يخالف بينهم ويسلط بعضهم على بعض وزحف إليه حمو بن مليل البرغواطي صاحب صفاقس فخرج تميم للقائه وانقسمت العرب عليهما فانهزم حمو وأصحابه ذلك سنة خمس وخمسين وأربعمائة وسار منها سوسة فافتتحها ثم بعث عساكره إلى تونس فحاصروا ابن خراسان حتى استقام على الطاعة لتميم ثم بعث عساكره أيضا إلى القيروان وكان بها قائد بن ميمون الصنهاجي من قبل المعز فأقام ثلاثا ثم غلبته عليها هوارة وخرج إلى المهدية ثم رده تميم إلى ولايته بها فخالف بعد ست من ولايته وكاتب الناصر بن علناس صاحب القلعة فبعث تميم إليه العساكر فلحق بالناصر وأسلم القيروان.
ثم رجع بعد ست إلى حمو بن مليل البرغواطي بصفاقس وابتاع له القيروان من مهنا ابن علي أمير زغبة فولاه عليها وحصنها سنة سبعين وأربعمائة وكانت بين تميم والناصر صاحب القلعة أثناء ذلك فتن كان سماسرتها العرب يجأجؤن بالناصر من قلعته ويوطئون عساكره ببلاد أفريقية وربما ملك بعض أمصارها ثم يردونه على عقبه إلى داره إلى أن اصطلحا سنة سبعين وأربعمائة وأصهر إليه تميم بابنته.
ونهض تميم سنة أربع وسبعين وأربعمائة إلى قابس وبها ماضي بن محمد الصنهاجي وليها بعد أخيه إبراهيم فحاصرها ثم أفرج عنها ونازلته العرب سنة ست وسبعين وأربعمائة بالمهدية ثم أفرجوا عنه وهزمهم فقصدوا القيروان ودخلوها فأخرجهم عنها.
وفي أيامه كان تغلب نصارى جنده على المهدية سنة ثمانين وأربعمائة نزلوها في ثلثمائة مركب وثلاثين ألف مقاتل واستولوا عليها وعلى زويلة فبذل لهم تميم في النزول عنها مائة ألف دينار بعد الله انتبهوا جميع ما كان بها فاستخلصها من أيديهم ورجع إليها ثم استولى على قابس سنة تسع وثمانين وأربعمائة من يد أخيه عمر بن المعز بايع له أهلها بعد موت قاضي بن إبراهيم ثم استولى بعدها على صفاقس سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة وخرج منها حمو بن مليل إلى قابس فأجاره مكن ابن كامل الدهماني إلى أن مات بها.
وكانت رياح قد تغلبت على زغبة وعلى أفريقية من لدن سبع وستين وأربعمائة وأخرجوه منها وفي هذه المائة الخامسة غلب الأخضر من بطون رياح على مدينة باجة وملكوها وهلك تميم إثر ذلك سنة إحدى وخمسمائة.

.دولة يحيى بن تميم.

ولما هلك تميم بن ولي ابنه يحيى وافتتح بافتتاح امكيسة وغلب عليها ابن محفوظ الثائر بها وثار أهل صفاقس على ابنه أبي الفتوح فلطف الحيلة في تفريق كلمتهم وراجع طاعة العبيديين ووصلته المخاطبات والهدايا وكان قد صرف همه إلى غزو النصارى والأساطيل البحرية فاستكثر منها واستبلغ في اقتنائها وردد البعوث إلى دار الحرب فيها حتى أتقته أمم النصرانية بالجزى من وراء البحر من بلاد أفريقية وجنوة وسردينية.
وكان له في ذلك آثار ظاهرة عزيزة وهلك فجأة في قصره سنة تسع وخمسمائة والله أعلم.

.دولة علي بن يحيى.

ولما هلك يحيى بن تميم ولي علي ابنه استقدم لها من صفاقس فقدم في خفارة أبي بكر بن أبي جابر مع عسكر ونظرائه من أمراء العرب وكان أعظم أمراء عساكر صنهاجة محاصرين لقصر الأجم فاجتمعوا إليه وتمت بيعته ونهض إلى حصار تونس حتى استقام أحمد بن خرايان على الطاعة وفتح جبل وسلات وكان ممتنعا على من سلف من قومه فجرد إليه عسكرا مع ميمون بن زياد الصخري المعادي من أمراء العرب فافتتحوه وقتلوا من كان به ووصل رسول الخليفة من مصر بالمخاطبات والهدايا على العادة ثم نهض إلى حصار رافع بن مكن بفاس سنة إحدى عشرة وخمسمائة ودون لها قبائل بادغ من بني علي إحدى بطون رياح كما نذكره في أخبار رافع ثم حدثت الفتنة بينه بين رجار صاحب صقلية بممالأة رجار لرافع بن كامل عليه وإمداده إياه بأسطوله يغير على ساحل علي بن يحيى ويرصد أساطيله فاستخدم علي بن يحيى الأساطيل وأخذ في الأهبة للحرب وهلك سنة خمس عشرة وخمسمائة والله أعلم.

.دولة الحسن بن علي.

ولما هلك علي بن يحيى بن تميم ولي بعده ابنه الحسن بن علي غلاما يفعة ابن اثنتي عشرة سنة وقام بأمره مولاه صندل ثم مات صندل وقام بأمره مولاه موفق وكان أبوه أصدر المكاتبة إلى رجار عند الوحشة يهدده بالمرابطين ملوك المغرب ولما كان بينهما وبينهم من المكاتبة واتفق أن غزا أحمد بن ميمون قائد أسطول المرابطين صقلية وافتتح قرية منها فسباها وقتل أهلها سنة ست عشر وخمسمائة فلم يشك رجار أن ذلك باملاء الحسن فنزلت أساطيله إلى المهدية وعليهم عبد الرحمن بن عبد العزيز وجرجي بن مخاييل الأنطاكي وكان جرجي هذا نصرانيا هاجر من المشرق وقد تعلم اللسان وبرع في الحساب وتهذب في الشام بأنطاكية وغيرها فاصطنعه تميم واستولى عليه وكان يحيى يشاوره فلما هلك تميم أعمل جرجي الحيلة في اللحاق برجار فلحق به وحظى عنده واستعمله على أسطوله فلما اعتزم على حصار المهدية بعثه لذلك فزحف في ثلثمائة مركب وبها عدد كثير من النصرانية فيهم ألف فارس وكان الحسن قد استعد لحربهم فافتتح جزيرة قوصرة وقصدوا إلى المهدية ونزلوا إلى الساحل وضربوا الأبنية وملكوا قصر الدهانين وجزيرة الأملس وتكرر القتال فيهم إلى أن غلبهم المسلمون وأقلعوا راجعين إلى صقلية بعد أن استمر القتل فيهم ووصل بأكثر ذلك محمد بن ميمون قائد المرابطين بأسطوله فعاث في نواحي صقلية واعتزم رجار على إعادة الغزو إلى المهدية ثم وصل أسطول يحيى بن العزيز صاحب بجاية لحصار المهدية ووصلت عساكره في البر مع قائده مطرف بن علي بن حمدون الفقيه فصالح الحسن صاحب صقلية ووصل يده به واستمد منه أسطوله واستمد الحسن أسطول رجار فأمده وارتحل مطرف إلى بلده وأقام الحسن مملكا بالمهدية وانتقض عليه رجار وعاد إلى الفتنة معه ولم يزل يردد إليه الغزو إلى أن استولى على المهدية قائد أسطوله جرجي بن مناسل سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ووصلها بأسطوله في ثلثمائة مركب وخادعهم بأنهم إنما جاؤا مددا له وكان عسكر الحسن قد توجه صريخا لمحرز بن زياد الفادغي صاحب علي ابن خراسان صاحب تونس فلم يجد صريخا فجلا عن المهدية ورحل واتبعه الناس ودخل العدو إلى المدينة وتملكوها دون دفاع ووجد جرجي القصر كما هو لم يرفع منه الحسن إلا ما خف وترك الذخائر الملوكية فأمن الناس وأبقاهم تحت إيالته ورد الفارين منه إلى أماكنهم وبعث أسطولا إلى صفاقس فملكها وأجاز إلى سوسه فملكها أيضا وأجاز إلى طرابلس كذلك واستولى رجار صاحب صقلية على بلاد الساحل كلها ووضع على أهلها الجزي وولى عليهم كما نذكره إلى أن استنقذهم من ملكة الكفر عبد المؤمن شيخ الموحدين وخليفة إمامهم المهدي.
ولحق الحسن بن يحيى بعد استيلاء النصارى على المهدية بالعرب من رياح وكبيرهم محرز بن زياد الفادعي صاحب القلعة فلم يجد لديهم مصرخا وأراد الرحيل إلى مصر للحافظ عبد المجيد فأرصد له جرجي فارتحل إلى المغرب وأجاز إلى بونة وبها الحارث بن منصور وأخوه العزيز ثم توجه إلى قسنطينة وبها سبع بن العزيز أخو يحيى صاحب بجاية فبعث إليه من أجازه إلى الجزائر ونزل على ابن العزيز فأحسن نزله وجاوره إلى أن فتح الموحدون الجزائر سنة سبع وأربعين وخمسمائة بعد تملكهم المغرب والأندلس فخرج إلى عبد المؤمن فلقاه تكرمة وقبولا ولحق به وصحبه إلى أفريقية في غزاته الأولى ثم الثانية سنة سبع وخمسين وخمسمائة فنازل المهدية وحاصروها أشهرا ثم افتتحها سنة خمس وخمسين وخمسمائة وأسكن بها الحسن وأقطعه رحيش فأقام هنالك سنين ثم استدعاه يوسف بن عبد المؤمن فارتحل بأهله يريد مراكش وهلك بتامسنا في طريقه إلى بابا رولو سنة ست وثلاثين والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ورب الخلائق أجمعين.